تركيا خطوات ثابتة نحو العودة إلى ترسيخ الاستبداد الشرقي
أخر الأخبار

تركيا: خطوات ثابتة نحو العودة إلى ترسيخ الاستبداد الشرقي

المغرب الرياضي  -

تركيا خطوات ثابتة نحو العودة إلى ترسيخ الاستبداد الشرقي

بقلم : احمد عصيد

لقد قلنا دائما إنّ معضلة الإسلام السياسي هي حنينه الدائم إلى الاستبداد الشرقي ورغبته في استعادته، رغم كل المكتسبات الديمقراطية لعصرنا، ورغم المتغيرات التي طرأت على واقع المسلمين، ورغم كل المآسي التي تسبب فيها نموذج الدولة الدينية الذي عرفه المسلمون عبر تاريخهم الطويل.

كان تاريخ العثمانيين فيلم رعب حقيقي، وكابوسا جاثما على صدر الكثير من بلدان المشرق وشمال إفريقيا وأوروبا لقرون طويلة، ولم ينقشع الكابوس إلا بعد إلحاق الهزائم تلو الأخرى بجيوش العثمانيين التي رسّخت الإقطاع والظلم بجميع أضربه وأنواعه طوال أزمنة من المعاناة والآلام، وهي المعاناة التي يعتبرها "الإخوان المسلمون" بتركيا اليوم "أمجادا عظيمة" ينبغي أن تستعاد.

ورغم أن إردوغان يتجه بتركيا بخطوات سريعة وظاهرة للعيان نحو الحكم الفردي ذي القبضة الحديدة (باسم الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي) إلا أنه صرفا لانتباه الساحة الداخلية يعمد إلى اتهام دول الجوار بـ"النازية"، بعد أن منعته من الدعاية لمشروعه الذي يستهدف به استقلال القضاء وفصل السلط والأسس الديمقراطية التي تشكلت بالتدريج على مدى العقود المنصرمة، وبهذا الصدد لينظر القارئ في المقارنة التالية بين ما فعله إردوغان في الأعوام الأخيرة، وما فعله هتلر والحزب النازي فيما بين 1933 و 1939:
ـ قام الحزب النازي بإعلان شعار تفوق الجنس الآري الأبيض وضرورة حكمه للعالم، وقام إردوغان بإعلان شعار "تركيا دولة عظيمة يمتدّ نفوذها شرقا وغربا وتقود العالم الإسلامي"، كما أعلن شعار "الأتراك ينبغي أن يقودوا مرة ثانية الأمة بصفة العثمانيين الجدد".

ـ قام هتلر بالبدء بإصلاحات اقتصادية وصناعية قوّت الاقتصاد الألماني، معتمدا على ذلك في تحقيق نجاح انتخابي كبير، حيث اكتسح صناديق الاقتراع بعد أن أصبح الجميع في ألمانيا يهتف باسمه، لينتقل إلى مرحلة ثانية هي مرحلة التمكين لنفسه قانونيا، وقد فعل إردوغان نفس الشيء تماما، فبعد تسع سنوات من النهوض الاقتصادي والازدهار، والتي أعطته الصدارة في الانتخابات، قرر تغيير الاتجاه نحو وضع قوانين تعطيه صلاحيات الحاكم الأوحد الذي يخضع له الجميع بمن فيهم القضاة. هكذا يمكن القول إنه إذا نجح في تمرير هذا المخطط عبر الاستفتاء، فسيكون نهاية استقلال القضاء في تركيا، ويعرف الجميع ما سيترتب عن ذلك.

ـ قام هتلر بالتخلص من خصومه في الدولة فبدأ بتوقيف الصحافة المستقلة ومحاربتها وإغلاق الجرائد والمجلات التي لا توافق نهجه، وقد قام إردوغان بإغلاق جميع المنابر التي تعارضه واعتقال الصحفيين والزج بهم في السجون ومحاكمتهم، كما أوقف المثقفين والأساتذة الجامعيين والباحثين الذين لا يتفقون مع اختياراته.

ـ استغل هتلر محاولة اغتياله لكي يعلن عن وجود مؤامرة تستهدفه فعمل على تطهير الدولة جميعها من معارضيه الذين لا علاقة لهم مطلقا بالمؤامرة التي تحدث عنها. وهو ما قام به إردوغان حرفيا بعد الانقلاب الفاشل، حيث أعلن حملة تطهير مبالغ فيها أدت إلى اضطهاد ما بين 80 ومائة ألف مواطن تركي بشكل سافر وغير مسبوق. ومنهم موظفون سامون في جميع القطاعات لا علاقة لهم بأي انقلاب، وهكذا أصبح مناخ الخوف هو الشائع في تركيا بعدما كان الناس يتطلعون إلى مزيد من الديمقراطية في الحياة السياسية والثقافية.

ـ أطلق هتلر دعاية مكثفة في كل المنابر التي سيطر عليها وفي المذياع والجرائد وكل الوسائل الموجودة آنذاك لكي يجد المواطن الألماني نفسه وجها لوجه أمام شخصية هتلر وحده باعتباره "أب الأمة الألمانية"، وهو ما قام به إردوغان بدوره بعد أن أغلق كل المنابر المعارضة بوضع خطة لدعاية مكثفة لنفسه وصوره على جميع الواجهات لكي يجد المواطن التركي وجه إردوغان في كل مكان صباح مساء. بهذا الصدد يقول مصطفى أكيول، محلّل سياسي تركي:"إنها الدعاية السياسيّة في وجهك كلّ يوم، وفي كلّ لحظة، تطالعك إن شغّلت التلفاز أم تصفّحت الجرائد".

ـ قام هتلر بتنظيم تجمعات حاشدة في الساحات الكبرى تستقطب ملايين الألمان بشكل غير مسبوق، وإلقاء خطب نارية لإلهاب حماسة الجمهور، وذلك لحشد التأييد للحزب النازي ولشخصه بوصفه الحاكم الأوحد والأعلى لألمانيا، وهو ما يقوم به إردوغان أيضا بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، بهدف تمرير مخطط هيمنته على الدولة والمؤسسات في تركيا.

ـ قامت مليشيات التنظيم النازي بمداهمة البيوت واقتحام مقرات التنظيمات المعارضة والتنكيل بأهلها وإشعال الحرائق في الدكاكين والمحلات انتقاما من الذين يعارضونهم، ولم يجد الضحايا من يتدخل لإنصافهم لأن الكل كان وراء "الفوهرر" أي هتلر بوصفه الحاكم الأوحد لألمانيا النازية، وهو نفس ما قامت به مليشيات حزب العدالة والتنمية بتركيا حيث قامت سواء بتغطية مؤسساتية أو بدونها بمداهمة المقرات والبيوت واعتقال المعارضين والتنكيل بهم. 

ـ شرع هتلر في التحرش ببلدان الجوار واتهامها بـ"العداء لألمانيا"، وشرع إردوغان في حملة واسعة ضد ألمانيا وسويسرا وهولندا، أكثر الدول تقدما ونظافة وديمقراطية بأوروبا، متهما إياها بـ"الفاشية" و"النازية"، وهي مناورة معروفة في تاريخ الطغاة هدفها صرف الانتباه عن الطبيعة الاستبدادية للنسق الذي يتأسس ويتقوى داخليا، بـ"تغويل" بلدان الجوار وجعلها عدوا. 

ـ قام هتلر ببناء بنايات ضخمة وأشكال رمزية واعتبارها رمزا لعظمة ألمانيا، وقام إردوغان ببناء "القصر الأبيض" المكوّن من 1.100 غرفة وجعله مقرا لسكناه، وهو ما كلف ميزانية الدولة مقادير مالية باهظة بدون أي مبرر معقول. 

ولهذا لم يكن ما كتبه الخبير السياسي بشؤون الشرق الأوسط ألون بن مئير عن إردوغان مجرد تحامل حينما قال:" وشرع في أسلمة منهجيّة البلاد، وفي نفس الوقت بدأ يفكّك أعمدة الديمقراطية. لقد كدّس لنفسه صلاحيات غير مسبوقة وحوّل تركيا من دولة ديمقراطية إلى بلد بحكم استبدادي، ضامنا ً أنّ له الكلمة الأخيرة في جميع شؤون الدولة". 

وإذا كان المشروع النازي قد أفضى إلى مقتل 55 مليون نسمة وخراب أوروبا، فما هو الثمن الذي سيكون على الشعب التركي دفعه مقابل إشباع الجنون السلطوي للإخوان المسلمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا خطوات ثابتة نحو العودة إلى ترسيخ الاستبداد الشرقي تركيا خطوات ثابتة نحو العودة إلى ترسيخ الاستبداد الشرقي



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 16:06 2021 الأربعاء ,03 آذار/ مارس

جمهور جالاتا سراي يمنح مصطفى محمد هدية جديدة

GMT 02:53 2016 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

عبد الحق ماندوزا يوضّح أحقية فريقه ب"الخريف"

GMT 20:11 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

بريدراج مياتوفيتش يُؤكّد أنّ إيسكو تحوَّل إلى لا شيء

GMT 16:46 2012 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يهزم بتروجيت وديًا بهدفي فتحي وأبو تريكه

GMT 15:54 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك ينهي 80% من ملف دوري المحترفين

GMT 23:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مستوى المنتخب يغضب الجمهور المغربي رغم فوزه

GMT 22:49 2016 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

أبرشان يوافق على ارسال اداريين وتقنيين الى النيجر

GMT 01:37 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

إبراهيموفيتش يريد راشفورد في ميلان

GMT 17:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النصر يهزم ضمك بثنائية رونالدو في الدوري السعودي

GMT 19:17 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يتصدر تشكيل الريدز فى دوري أبطال أوروبا
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib