الإجهاض … النظر إلى الواقع

الإجهاض … النظر إلى الواقع

المغرب الرياضي  -

الإجهاض … النظر إلى الواقع

محمد الساسي


استقبل الملك كلاً من وزيري العدل والأوقاف ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكلف المسؤولين الثلاثة بالانكباب على موضوع الإجهاض بصفة مشتركة والتشاور مع أطراف أخرى وإعداد اقتراح تعديل قانوني في أجل شهر. ومن المفروض أن تكون الاجتماعات بين المسؤولين المذكورين قد انطلقت؛ وهي ستكون، في نظرنا، أمام اختيارين :

الاختيار الأول هو الاكتفاء باعتماد مقاربة قانونية ضيقة والبقاء في حدود الانشغالات النظرية والفقهية الخالصة، ومحاولة الجواب على أسئلة من قبيل :

هل الالتزام بما توصل إليه عموم الفقه المالكي واجب أم يمكن الانفتاح على مذاهب أخرى؟ ومن المعلوم أن تحريم إسقاط الحمل هو المعول عليه عند المالكية ولو قبل نفخ الروح فيه؛
كيف يمكن التوصل إلى صياغة حل وسط بين موقف المطالبين بالإباحة التامة للإجهاض والمطالبين بالمنع المطلق؟
كيف يجب التعامل مع مختلف الأحكام التي تبنتها التشريعات العربية الإسلامية؟ وهل يمكن تجاوز كل ما جاءت به أم يُستحسن التقيد بسقف تلك الأحكام؟ وهل “يجوز” اقتباس ما ورد ببعض القوانين التي صدرت في سياق “علماني” رغم القرب الجغرافي للبلد المعني منا (الحالة التونسية)؟
ما هي درجة إلزامية التوصيات الصادرة عن المؤتمرات العالمية حول المرأة والتي تمنح هذه الأخيرة حق تقرير مصير حملها، وتطالب بإلغاء تجريم الإجهاض وبعدم معاقبة النساء اللواتي يلجأن إليه؟
الاختيار الثاني هو البحث، في الواقع الاجتماعي القائم، عن حقيقة المشكل المطروح، بحدة أكبر، والذي يجب أن تُعطاه الأسبقية حتى لا يظل تناول الموضوع حبيس اعتبارات فلسفية مجردة، فقط.

قضية الإجهاض في المغرب ليست قضية المفاضلة بين الأساس النظري الذي يُبنى عليه، عادة، موقف الإباحة والأساس النظري الذي يُبنى عليه موقف التجريم. صحيح أن التعديل الذي طرأ على القانون المغربي، عام 1967، والذي قضى بإباحة الإجهاض إذا اقتضت ذلك ضرورة المحافظة على صحة الأم (وليس المحافظة على حياة الأم كما كان الأمر في الماضي)، لم يُقرأ، على ما يظهر، بشكل جيد ولم يُفهم مصطلح الصحة، ربما، بالمعنى الذي يجعله شاملاً للصحة النفسية أيضاً، ولكن المشكل الملح عندنا هو وقوع حوالي 600 إلى 800 حالة إجهاض، يومياً، 50 إلى 60 في المائة منها تهم نساء غير متزوجات ويخشين الآثار المدمرة لاستمرار حملهن على حياتهن وسلامتهن ومستقبلهن.

في منتصف السبعينيات، أُثير في فرنسا نقاش حاد حول الإجهاض. المدافعون عن تجريم الإجهاض اعتبروا أنهم يناصرون الحق في الحياة، وأن الإجهاض جريمة قتل وإعدام لإنسان بريء وإزهاق لروح بشرية، واستندتفئة منهم إلى بعض الأبحاث التي ذهبت إلى أن قلب “الجنين” يبدأ في النبض قبل اليوم الخامس والعشرين من الحمل. أما المدافعون عن إباحة الإجهاض فقد أسسوا ذلك على حرية التصرف في الجسد، فالجنين يوجد في رحم، والرحم جزء من جسد المرأة، وهو ملك لها مثل أي عضو آخر في الجسم، ومجموع الخلايا المتطورة ليس إنساناً. إن من حق الأم أن تفكر مسبقاً في حياة الرضيع الذي سيُولد، وفي مأكله وملبسه وظروف عيشه، وإذا كانت لا تستطيع توفير المستلزمات التي يحتاجها وإعداد ظروف حياة آمنة وسليمة له، فإن من المنطقي أن تضع حداً لحملها بإرادتها، إذ –كما قالت وزيرة الصحة الفرنسية سيمون فاي عام 1975– ليست هناك امرأة تلجأ إلى الإجهاض مغتبطة وفرحة. ومع ذلك، فإن حرية التصرف في الجسد تتيح للمرأة إجهاض نفسها لأية اعتبارات أخرى تراها، حتى ولو تعلق الأمر بالمحافظة على قوامها ومظهرها أو لأنها تريد التخلص من ذكرى اغتصاب تعرضت له أو علاقة عاطفية فاشلة…إلخ، فمصلحة كائن بشري مولود يجب أن تكون مُقَدَّمَةً على مصلحة من لم يُولد بعد.

وكيفما كان الموقف الذي سيتخذه المشرع المغربي من مسألة الإجهاض، فإن الواقع العالمي الراهن يسير أكثر في اتجاه توسيع حالات إباحة الإجهاض، فـ 65 في المائة من دول العالم أصبحت تبيح الإجهاض وغالبية البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوربي أصبحت تسمح بالإجهاض حتى الأسبوع العاشر أو الثاني عشر من الحمل.

الشابة غير المتزوجة، في البلدان الغربية، تجهض نفسها لأنها لا ترغب في الحمل؛ أما الشابة المغربية غير المتزوجة فإنها تجهض نفسها لأنها لا تستطيع الإبقاء على الحمل، بغض الطرف عن رغباتها الشخصية الدفينة، لأن الإبقاء على الحمل :

قد يمثل تهديدًا لحياتها، إما بسبب احتمال لجوئها إلى الانتحار، الوارد بقوة، أو تعرضها لاعتداء خطير من طرف أقاربها؛
قد يمثل تهديدًا لسلامتها؛
قد يعني هروبها من منزل أبويها؛
قد يعني تلطيخ سمعتها، وبالتالي الحكم عليها بعدم الزواج لاحقًا؛
قد يعني امتهانها الدعارة في ما بعد؛
قد يعني التخلص من الرضيع بقتله أو بتركه في مكان ما؛ إذ يتم التخلي، مثلاً، عن 25 رضيعاً، يوميًا، في المستشفيات المغربية.
هناك انتشار واسع للعلاقات الجنسية في مرحلة ما قبل الزواج، بسبب عوامل ضاغطة لا يمكن ادعاء القدرة على التحكم فيها، في المدى المنظور، وهناك آثار اجتماعية ونفسية خطيرة تترتب عن الحمل الذي قد ينجم عن مثل هذه العلاقات ويدفع بأكثر من 400 أنثى يوميًا إلى الإجهاض لدى الأطباء في ظروف أقل سلامة من ظروف الاستشفاء العادية بحكم الطابع السري لعمليات الإجهاض (فريق طبي مساعد غير مؤهل – أطباء غير مختصين في أمراض النساء والتوليد – إجراء العمليات في عيادات وليس مصحات – غياب معدات وأطر بشرية لمواجهة الطوارئ) ويدفع بأكثر من 200 أنثى إلى الاستعانة بخدمات ممرضات أو قوابل أو عشابين أو مشعوذين أو باعة مواد صيدلية في السوق السوداء أو إلى نصائح بعض الصديقات والمعارف، ويتم تناول أدوية أو إجراء عمليات غير خاضعة لأية رقابة طبية، مما ينجم عنه الموت أو الإصابة بعاهات مستديمة أو أمراض أو معاناة صحية طويلة.

طبعًا يجب أن نعمل على ضمان عدم الوصول إلى حالات الحمل خارج إطار الزواج بنشر الثقافة الجنسية والتعريف بطرق منع الحمل والسعي إلى اعتبار الزواج، من طرف أكثر عدد ممكن من الأفراد، هو الإطار الوحيد للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، وإتاحة الفرصة للتيارات المنادية بالعفة لتجريب حظها في إقناع الشباب. لكننا قد لا نستطيع بلوغ المرام والهدف، رغم كل الجهود المخلصة الصادرة من هنا وهناك، بسبب إكراهات يعلمها الجميع. وفي هذه الحالة، إذا كان بإمكاننا حل المشكل بدون اللجوء إلى الإجهاض، فنحقق الحفاظ على حياة الجنين ولا نعرض الأم للمآسي التي تواجهها الحامل غير المتزوجة، فسيكون ذلك أحسن بطبيعة الحال.

ولكن، هل هذا ممكن اليوم في كل الحالات؟ وكيف نستطيع، بين عشية وضحاها، تغيير عقليات وممارسات راسخة والحيلولة دون ارتكاب أخطاء فظيعة في حق امرأة ارتكبت خطأ الحمل خارج إطار الزواج، وتجنب ارتكابها لخطإ أو أخطاء إضافية في حق نفسها أو في حق وليدها أو في حق صحتها؟

إننا، وحتى بدون تقرير الإباحة المطلقة للإجهاض، نرى أن هناك حالات يتعين استثناؤها من التجريم، ومنها حالة الحمل خارج إطار الزواج في ظروف خاصة، ولكن بشرط تخويل الحسم في قرار الإجهاض إلى آلية طبية واجتماعية للاستماع والمواكبة، يشارك فيها وجوبا طبيب نفساني، وتحافظ على السرية وتستطيع كسب ثقة النساء المعنيات وترخص بالإجهاض، إذا قدرت أن استمرار الحمل ستكون له عواقب خطيرة على حياة الحامل أو توازنها النفسي أو وضعها الاجتماعي، وتأكد لديها أنه لا يمكن تفادي هذه العواقب بإعمال بديل آخر.

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإجهاض … النظر إلى الواقع الإجهاض … النظر إلى الواقع



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 14:34 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

تتحرر وتتخلص من الأعباء الكثيرة والضغوط

GMT 16:30 2013 السبت ,16 شباط / فبراير

"Asphalt 7: Heat" أصبحت مجانية لفترة

GMT 01:02 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

ليفركوزن يخيّر مهاجمه بين كوبا أميريكا والأولمبياد

GMT 08:29 2012 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

دبي تحتضن أقوى منافسات السباحة العالمية

GMT 06:57 2013 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ترشحت للرئاسة لمواجهة الإقصاْء

GMT 18:28 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

منتخب تونس يسعى لتحقيق فوزه الأول على موريتانيا

GMT 07:43 2016 السبت ,01 تشرين الأول / أكتوبر

طرح أسئلة أخرى حول المسلسل الانتخابي المغربي

GMT 19:40 2016 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

عقد زيدان يمتد لعامين ونصف مع "ريال مدريد"
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib