أنّ هناك محدّدين لقياس مدى خطورة الديون، وهما: قدرة الدولة على السداد وحجم الدين مقارنة بالناتج المحليّ الإجماليّ، أنّ المخاوف تبدأ عندما يتجاوز الدين الـ100 في المئة من الناتج المحليّ، وهو ما لم تصل إليه مصر حتّى الآن، إنّ إيرادات الدولة في ازدياد، خصوصاً بعد مشاريع الغاز والنفط واحتمالات دخول مصر السوق العالميّة لتلك السلع بقوّة خاصة بعد افتتاح مشروع حقل ظهر في يناير 2018 والحفريات الجديدة في البحر الأحمر، وهو ما يعطي مؤشّراً مطمئناً إلى قدرة مصر على سداد ديونها من دون تعثّر.
فقد اعلن البنك المركزي المصري، إن الدين الخارجي المستحق على مصر، ارتفع إلى 80.8 مليار دولار، في نهاية سبتمبر 2017، بزيادة نحو 1.8 مليار دولار مقارنة بشهر يونيو 2017. إن مصر لم ولن تتخلف عن سداد أقساط مديونياتها الخارجية في مواعيدها، أن مصر سددت نحو 350 مليون دولار في يناير الماضي مستحقة لدول نادى باريس.
إن الاقتصاد المصري أصبح أشبه برجل يمشي على الحبال، فهو في خطر دائم حتى لو ازدادت ثقة المحيطين به في قدرته على المضي قدما على هذا الحبل، تماما مثل مصر أصبحت في خطر دائم بسبب الدين حتى لو ازدادت مهارتها وقدراتها في سداد الديون وحتى لو ازدادت ثقة المستثمرين فيها في هذا الصدد. أن تدفق الاستثمارات الأجنبية في أذون الخزانة يعزز من قدرة مصر على سداد التزاماتها الخارجية فضلاً عن توافر احتياطي نقدى كبير لديها
أنه من المتوقع أن تشهد مصر تحسنًا ملحوظا في قطاع السياحة، مما سيساهم في توفير مصادر للعملة الأجنبية تمكنها من القدرة على سداد ديونها الخارجية مع توقعات بتحسن الاستثمارات الأجنبية حال قيام المركزي بخفض أسعار الفائدة. أن هذه الزيادة في الدين الخارجي تُمول بنسبة كبيرة من مصادر ذات تكلفة منخفضة وعلى فترات سداد طويلة الأجل، إذ ارتفعت قروض المؤسسات الدولية والإقليمية بمقدار 7.7 مليار دولار، والسندات بمقدار 5.5 مليار دولار، والدين قصير الأجل بمقدار 3.5 مليار دولار.
ومع دخول إنجلترا الحرب العالمية الأولى والثانية، استطاعت مصر سداد ديونها، بل وإدانتها لإنجلترا بنحو 345 مليون جنيه إسترليني مع نهاية الحرب الثانية؛ ثم ينتقل إلى عهد يوليو، وعلى الرغم من الإشادة بتجربة عبد الناصر الاقتصادية لكنه أخذ عليه اعتماده على المعونات الغذائية الأمريكية عشر سنوات. كذلك كان حجم الإنفاق الكبير الذي تم في عهد عبد الناصر عبر الإنفاق على التنمية وتسليح الجيش، والعمل على زيادة الدخول والاستهلاك لأفراد المجتمع، وكذلك توجهاته القومية والأفريقية لمساعدة الحركات التحررية، وحرب اليمن، جعلته مضطرًا للجوء للاقتراض من الخارج؛ وكان إجمالي ديون مصر الخارجية نهاية عهد عبد الناصر لم يتجاوز 1.3 مليار دولار. مع الأخذ في الاعتبار ما قام به عبد الناصر من تمويل لإقامة السد العالي، ويذكر أيضًا ما تعرض له الاقتصاد بعد هزيمة 1967، وانقطاع المعونات الغربية والشرقية بشكل كبير، إلا أن المعونات العربية استطاعت أن تعوض هذه الإمدادات الغربية بشكل كبير عبر مؤتمر الاتفاقية العربية الموقعة بالخرطوم عام 1968.
فان أوجه شبه شديدة بين إدارة كل من السادات ومبارك وعهدي ابني محمد علي، سعيد وإسماعيل. سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي؛ ففي عهد السادات كانت هناك إغراءات كثيرة من قبل الدائنين الغربيين للسادات للتوسع في الدين، وكذلك الانفتاح الاقتصادي على الغرب واتباع سياسات اقتصادية متناقضة، رغم إتاحة له موارد محلية بعد حرب أكتوبر من خلال قناة السويس أو صادرات البترول أو عوائد العاملين بالخارج، ومع ذلك لم يحسن ترشيدها لتمويل احتياجات الاقتصاد دون اللجوء للاقتراض الخارجي،
حيث يقدر الدين الخارجي مع وفاة السادات -وفق تقديراتنا بنحو 14.3 مليار دولار؛ ولم يرصد تغيرا يُذكر في عهد مبارك من حيث السياسات الاقتصادية أو التوجهات التنموية، حيث أنه أيضًا اعتمد نفس السياسة من توسع في الاقتراض من الخارج، وبخاصة بعد مضي السنوات الخمس الأولى من حكمه. وكانت سياسة الاقتراض الخارجي معتمدة في خطط التنمية لإيمان القائمين بالتخطيط في عهده بأهمية الاقتراض من الخارج، مما ساعد على تفاقم الدين الخارجي بشكل كبير نهاية الثمانينيات ليصل إلى 47.6 مليار دولار مع بداية عام 1990.
اذا نلاحظ مرة اخرى ان تحول مصر من دولة مكتفية بمواردها الى دولة مدينة ثم من دولة مدينة الى دولة دائنة لم تحكمه حاجة مصر الى الاقتراض او قدرتها على السداد بقدر ما حكمته تقلبات ظروف الاقتصاد الدولي ، ففي عصر من الرخاء لم تكن لدى مصر فيه ادنى حاجه للاستدانة لتنمية اقتصادها اقدمت على التورط في الديون و في فترة انكماش و كساد شديدة الوطأة و في ظل ركود شبه تام في متوسط الدخل كالذي ساد مصر فيما بين 1913 - 1043 قامت مصر بسداد جزء كبير مما سبق لها اقتراضه .
و في منتصف الخمسينات من القرن العشرين عندما رحل اخر جندي من جنود الاحتلال عن مصر كانت مصر غير مدينة للخارج بشيء و لكن كان عليها الشروع في برنامج طموح للتنمية لتدعم به استقلالها . فإن مجمل الديون والالتزامات كان من الممكن تغطيتها خلال 5 سنوات إذا خفضت الحكومة الإنفاق بأقل من 20%، لكن ذلك لم يحدث، بل زاد الإنفاق، وزادت الديون، حتى خرجت إدارة المالية المصرية عن السيطرة في عام 1876، وأصبحت في يد المراقبين الأجانب، وأصبح دين مصر 91 مليون جنيه، وبلغ حجم الأقساط السنوية والفوائد نحو 6 ملايين جنيه أي ما يمثل نحو 80% من إيرادات الدولة السنوية آنذاك. زادت ديون مصر في عهد إسماعيل بنحو 73 مليونًا، لكن على الجانب الآخر أنفق نحو 51 مليونًا على مشروعات التنمية، فأين ذهبت 22 مليون جنيه، ونحو 6.5 مليون جنيه هي متوسط الإيراد السنوي لمصر؟ لا أحد يعرف.
المفارقة أن إسماعيل قبل أن يتولى حكم مصر نجح في مضاعفة ثروته ثلاث أضعافها، لكن عندما تولى الحكم ضاعف الديون 5 أضعافها، وفي عام 1876 أفلست مصر، ودخلت مصر دائرة الديون، ومن ثم بدأ التدخل الأجنبي بلغت تقديرات سداد القروض التي يحل موعد سداد أقساطها أو إهلاكها بمشروع الموازنة الجديدة نحو 256.2 مليار جنيه، مقابل 257.9 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي (2015-2016). وأقساط القروض تنطوي على إهلاك ما يحل أجله من السندات على الخزانة العامة. وتعتزم الحكومة اقتراض نحو 319.7 مليار جنيه خلال العام المالي الجديد لتمويل عجز الموازنة، مقابل 251.3 مليار جنيه بموازنة العام الحالي، بزيادة قدرها 68.4 مليار جنيه.
أن خفض معدلات الدين العام من أهم مستهدفات السياسة المالية لتحقيق الاستقرار المالي على المدى المتوسط خاصة من ارتفاعها من مستوى 79 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ويعبر معدل نمو الناتج المحلي عن حجم النشاط الاقتصادي داخل الدولة خلال فترة محددة ويشمل إجمالي ما تنتجه الدولة من سلع وخدمات بجانب حجم الاستهلاك والاستثمار والانفاق الحكومي والفارق بين الصادرات والواردات.
ورغم أن معدل النمو يعد من أبرز المؤشرات التي تعبر عن حركة الاقتصاد الكلي الا أنه يعاني بعض نقاط الضعف منها انه لا يشمل بيانات الاقتصاد غير الرسمي مما يعطي صورة غير دقيقة عن الواقع كما يحسب نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي عن طريق قسمة الناتج على عدد السكان دون تعبير حقيقي عن الواقع.
ويذهب بعض الاقتصاديين الى أن حجم الديون الإجمالية على الدولة يجب ألا يتعدى 65 % من الناتج المحلي الاجمالي وأعلى من ذلك يدخل الاقتصاد مرحلة الخطر.
يشار الى انه في الموازنة الأخيرة بلغ حجم الديون المستحقة على الحكومة سواء للداخل أو الخارج نسبة 93 % من الناتج المحلي الإجمالي بمعنى أن ديون مصر الآن تقترب من حجم إجمالي إنتاجها، بحسب الخبراء .وان وضع معدل ارتفاع عدد السكان يعطي دلالة لمؤشر النمو الفعلي، فقبل الثورة كان معدل النمو ضعف معدل الزيادة في السكان حيث سجل الأول 5 % مقابل نحو 2.6 % للمؤشر الثاني وتعد هذه النسبة مقبولة لكن اقتراب النمو من الزيادة السكانية أو تراجعه عنها يعني وجود طلب أكثر على السلع والخدمات والوظائف ومن ثم زيادة في الأسعار وحرمان قطاع من المجتمع من احتياجاته الأساسية. ان تزايد نسبة الدين الى الناتج المحلي يرهق موازنة الدولة ويزيد من مخاطر عدم قدرتها على السداد .. ويؤدي تقاعس اي دولة عن سداد التزاماتها المالية خاصة للخارج